حماس والأجندة الوطنية: الثابت والمتغير

    0
    1487

    بقلم د. أحمد يوسف/ إن حركة حماس قد انبثقت من رحم الإخوان المسلمين؛ كبرى الحركات الإسلامية في العالم، وهي تستهدي بالرؤية العامة لهذه الحركة الأم، وحيث إن الإخوان المسلمين – منذ نهاية الثمانينيات – قد استبقوا بالانفتاح على التوجهات العالمية الداعية إلى ضرورة دعم عمليات التحول الديمقراطي في دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وتشجيعها، وارتاحوا كثيراً لنتائج هذه التجارب المشجعة.

     لذا، وجد الإسلاميون أن هناك فرصة يمكنهم استثمارها للوصول إلى مواقع متقدمة في السلطة عبر صناديق الاقتراع، اتكاءً على حضورهم الواسع بين الجماهير، والملموس في الاتحادات والنقابات المهنية، والأهم هو تطلعات الشعوب ورغباتها في الإصلاح والتغيير.

    وفعلاً، استطاعت الحركة الإسلامية في العديد من البلدان العربية أن تتقدم في الانتخابات، وتفوز فيها بجدارة، وتدخل البرلمانات، وأصبح لبعضها حضور حزبي واضح في الحكومة والمعارضة، وكذلك كان الحال في بعض البلدان الإسلامية، مثل: تركيا وماليزيا وإندونيسيا. ولنا أن نقول إن بعضها كذلك قد نجح في تحقيق شيءٍ من الإصلاح والتغيير، الذي كانت تنتظره شعوب المنطقة ونخبها السياسية والحزبية.

    إن هذه التحركات والإنجازات في مشهد الحكم والسياسة قد شجَّعت – بالتأكيد – حركة حماس على تجاوز بعض تحفظاتها الأيديولوجية، ذات الخلفية الدينية على طبيعة العمل السياسي، من حيث المشاركة والفاعلية، وخاصة أن الوضع في فلسطين يختلف في جوهره عن باقي الحالات الإسلامية الأخرى، وذلك لأننا شعب لا يتمتع بالحرية والحركة والاستقلال، وسلطتنا لا تملك الشرعية الكاملة لأنها سلطة تحت الاحتلال.. كانت سنوات التسعينيات تمثل حالة انشغال كامل لحركة حماس، حيث كان العمل العسكري ضد الاحتلال في أوجِّ نجاحاته، وكانت حماس من خلال مؤسساتها التربوية، وجمعياتها الخيرية، وكتلها النقابية، تشكل حالة إسناد للحركة، وتمنحها الثقة بمسيرتها الدعوية ونهجها الحركي، وقدرتها المتميزة على كسب الشارع والتفاف الجماهير حولها.

    لم تكن اتفاقية أوسلو تخرج عن السياق الذي كانت قيادة حركة حماس تتوقعه، من حيث كونها اتفاقية أمنية، وليست رؤية سياسية لحل القضية سلمياً، والتمكين للفلسطينيين من إقامة دولتهم الحرة المستقلة.

    كانت التسعينيات هي فترة مدٍّ وجزر في رؤية الحركة للعمل السياسي، لذلك كان حزب الخلاص الوطني الإسلامي مجرد فكرة لاختبار مدى جديِّة السلطة فيما يتعلق بحجم الفضاء المتاح للحريات، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة.

    لم تكن تجربة حزب الخلاص القصيرة لتمنح الاطمئنان الكافي للحركة للتعويل علي الحزب، واعتباره منافساً قوياً، وخاصة في المرحلة التي كانت فيها السلطة الوطنية مشغولة في بناء مؤسساتها.. لذلك، كان القرار بالتخلي عنه، والإبقاء على بعض العناوين الرمزية، التي تُذكر به فقط، مثل صحيفة الرسالة، ومطالبة معظم قياداته وكوادره الحركية بالعودة للتنظيم الأم من جديد، واعتماد الحركة – وليس الحزب – كمحرك أساس للعمل السياسي والفعل المقاوم.

    طوال فترة التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة، ظلت حركة حماس تشكل تهديداً رئيساً للاحتلال، من خلال عملياتها الاستشهادية الموجعة، كما أنها شكلت – على المستوى الوطني – منافساً قوياً للسلطة ولحركة فتح بعد خيبة الأمل الكبيرة في اتفاقية أوسلو، الأمر الذي زاد من تعلق الشارع الفلسطيني بالإسلاميين، وإيمانه بقدرات حماس على الحفاظ على ثوابت القضية الفلسطينية، والذي انعكس في ارتفاع شعبيتها في استطلاعات الرأي العام بشكل ملحوظ، وكذلك بارتفاع نسبة تمثيلها  بين الكتل الطلابية، والنقابات التعليمية والعمالية، وظهر ذلك – جلياً – بعد انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م، حيث أبلت المقاومة الإسلامية بلاءً حسناً، عاظم من ثقة الشارع بها والتفافه حولها، ومنح الحركة مكانة الصدارة في الانتخابات البلدية والمجالس القروية عام 2004 – 2005م، وجعل الحركة تطمئن بأن حظوظها في المنافسة على قيادة الفلسطينيين في الداخل وتحقيق الكسب المأمول أضحت قاب قوسين أو أدنى.

    من هنا، وجدت حركة حماس نفسها أنها لا بدَّ أن تتقدم خطوة في اتجاه العمل السياسي؛ لأن المقاومة تحتاج إلى من يوفر لها غطاء شرعيًا من داخل المجلس التشريعي، وخاصة بعدما انسحب الاحتلال من داخل قطاع غزة، وحاصرنا – بقواته العسكرية – براً وبحراً وجواً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ضغط الشارع وتطلعه نحو الإصلاح والتغيير فرض – أيضاً – على حماس أن تتحرك لاستثمار مردود كسبها الانتخابي الكبير في الشارع الفلسطيني، والدخول على خط العمل السياسي، بهدف تشكيل رافعة تحمي سقف الحقوق والمطالب الفلسطينية من التراجع والانهيار، وتحفظ ثوابت القضية من التفريط بها والاندثار.

    إسلاميو الوطن المحتل: محاكاة تجارب الجوار

    صحيحٌ، أن الإسلاميين كان لهم في الماضي تحفظات على العمل السياسي؛ لأنهم لم يكونوا يطمئنون إلى مصداقية الدعوات المنادية به، حيث إن الدكتاتوريات وظَّفت شعارات الديمقراطية لخدمة أغراضها، وأيضا لأن حركة الوعي داخل الشارع الإسلامي، لم تكن بالقدر الذي يسمح بتلقف هذه المفاهيم الغربية، التي بدأت وكأنها متناقضة مع أطروحاتنا الإسلامية في الستينيات والسبعينيات.

    لاشك أن حركة الوعي السياسي بين الكوادر الإسلامية أخذت تتسارع في أواخر الثمانينيات، وخاصة مع سفر الكثير من الدعاة والمفكرين الإسلاميين لأمريكا وأوروبا، وحدوث حوارات وتلاقح للأفكار مع القيادات الإسلامية هناك، وكذلك مع أبناء الحركة الذين ذهبوا للدراسة في العواصم الغربية، ووصل بعضهم بعد عودته إلى بلاده إلى مواقع متقدمة داخل الهياكل التنظيمية، وقد أسهم الكثير منهم في إيجاد مقاربات فكرية، وتقديم وجهات نظر أسهمت أجواؤها في التعاطي الإيجابي مع المفاهيم الغربية تجاه العمل السياسي، والمراهنة المشجعة على فرص الإصلاح والتغيير عبر بواباته المشرعة أمامهم.

    لقد تمكنت حركة حماس من إقناع كوادرها بأن دخول مربع السياسة سوف يزيد من حظوظ الكسب المشروع للحركة، ويعاظم من إمكانياتها في حماية مشروع المقاومة، وسوف يسهم في توسيع هامش المناورة و”الكسب الحلال” لكوادرها؛ سياسياً ومجتمعياً، وكذلك في توطيد علاقاتها الإقليمية والدولية.

    إن الطابع التنظيمي شديد التماسك داخل حركة حماس، والمرجعيات الدينية القوية في الأطر القيادية للحركة، يجعل من السهل على الحركة تعبئة كوادرها في الاتجاه الذي تقرره القيادة، من خلال إطاراتها الشورية ومكتبها السياسي. من هنا، لم يكن من الصعب إقناع الكادر الحمساوي بأهمية الانتقال إلى مربع العمل السياسي وخوض غماره، والتعاطي معه بكل ثقة وجسارة، ودون الخوف بأيِّ حال من الأحوال على نقاء الثوب وطهارته.

    لاشك أن السياسة هي لعبة قذرة، وكواليسها مليئة بالمكر والتضليل، وأن العملية السياسية تتطلب – أحياناً – اتخاذ مواقف قد تمس بالطهارة والصدقيِّة، لكنَّ هذه الأمور يمكن تسويقها في إطار فهم البعض لمقاصد الشريعة، وفقه المآلات والمصالح المرسلة، وتفهمه لفلسفة التخذيل عن الحركة، وكسر شوكة أعدائها، وهي ضوابط فقهية تشكل الضامن على استقامة حراكنا السياسي، والاجتهاد أن تبقى المواقف مبرأة من كل عيب، رغم ما تستدعيه الواقعية السياسية – أحياناً – من تبريرات وشروح موسعة لتسويغ المواقف والخطوات.

    خيار التوجه للانتخابات..

    حسمت حركة حماس خيارها بالتوجه للانتخابات التشريعية في يناير 2006م، وألقت بكل أوزانها الحركية والدينية، وراهنت – بثقة – على تاريخها والتفاف الشارع خلفها، وكان لها ما أرادت، وربما كان أكثر من كل ما تمنت.

    كان فوز حركة حماس في الانتخابات مفاجأة صادمة للآخرين (تسونامي)، وربما جاء متوافقاً نوعاً ما مع توقعات البعض في حركة حماس.. في الحقيقة، كانت هناك جهات داخل الحركة قد أجرت استطلاعات رأي أعطت مؤشراتها ما أظهرته نتائج الانتخابات بالتمام والكمال.

    كانت الإشكالية التي واجهتها الحركة كيف تبني شراكة سياسية لا تؤثر على قدراتها في اتخاذ القرار، بحيث تظل لها اليد الطولى في تطبيق برنامجها السياسي، وأخذ الجميع في اتجاه دعم المقاومة وتعطيل نهج التفاوض باعتبار أنه (لا خير في كثير من نجواهم)، حيث لم يحقق الفلسطينيون – وعلى مدار عقدين من الزمان – أيَّاً من أحلامهم في الحرية والاستقلال.

    بمنظار اليوم، كانت عملية الاخفاق في إقامة شراكة سياسية، والعمل وفق توافق وطني، هي أول تقدير واجتهاد خطأ وقعت فيه حركة حماس، حيث أخفقت في اجتذاب خصومها السياسيين، ولم تقدم إغراءات كافية لاستيعاب البعض منهم، مما أعطى الذريعة لهؤلاء الخصوم للتآمر عليها، والعمل على إفشال كل مساعيها في تحقيق برنامجها السياسي، وسدِّ الطريق أمام إنجاز الكثير مما نادت به قياداتها خلال حملاتها الانتخابية.

    حاولت الحركة الانفتاح على عمقها العربي والاسلامي، والتواصل مع المجتمع الدولي، إلا أن جهودها لم تكلل بالنجاح المطلوب لكسر العزلة عنها.

    ظلت الحكومة التي تمثلها حركة حماس – ولقرابة عامٍ كامل – تعمل على تكييف نفسها مع واقع الحصار والعزلة السياسية، إلا أن ما كان يبيته خصومها السياسيون من مكر ومكائد قد حال دون أن تفي حماس بالوعود التي قطعتها على نفسها للشارع الفلسطيني.

    بصراحة، كانت الحكومة العاشرة هي بمثابة حقل تجارب سياسي لحركة حماس، وقد تعلمت فيه الكثير من الدروس، من خلال الأحداث والوقائع الصعبة التي مرت بها، ولكن النتائج لم تكن بالسرعة الكافية والنضج المنتظر، وإن ظلت – كالطالب المجتهد – تحاول وتحاول تهدئة الأمور، بأمل الوصول إلى حالة من الاستقرار والتعايش مع الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة وخاصة في قطاع غزة.

    حكومة الوحدة: محاولة لم تكلل بالنجاح

    أسباب عديدة دفعت كافة الأطراف الإقليمية والدولية للتفكير بإعادة هيكلة الحالة السياسية الفلسطينية، وكانت لكلٍّ دوافعه وحساباته، فقد كانت لدى الأمريكيين والأوروبيين الرغبة في إضعاف حركة حماس، وكسر شوكة المقاومة الإسلامية، وذلك عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية تتراجع معها عملية استحواذ الإسلاميين وقبضتهم على مشهد الحكم والسياسة، والدفع باتجاه عودة العافية السياسية من جديد لحركة فتح وللرئيس أبو مازن.

    في الحقيقة، كانت حركة حماس تتطلع لشراكة سياسية متوازنة من خلال حكومة الوحدة الوطنية، التي رعتها المملكة العربية السعودية فيما عُرف بـ”اتفاق مكة”، وقدمت برنامجاً سياسياً توافقياً، ترك الباب موارباً للمقاومة المسلحة والعملية التفاوضية، بحيث تعتمد وتيرة الفعل لكل منهما على الآخر، كما أسهم في استيعاب بعض القيادات الفصائلية من خارج فتح وحماس، ولكن الأجندات المختلفة؛ المحلية والإقليمية والدولية، أجهضت مشروع حكومة الوحدة (الحادية عشرة)، وفتحت الطريق للأحداث المأساوية الدامية في يونيه 2007م، والتي على إثرها تشظى الوطن، وانشطرت مكوناته السياسية والمجتمعية، وانتهى الحال بنا إلى الهزلية السريالية: “حكومتان لشعب بلا وطن”.!!

    من يتحمل خطأ الدماء التي سالت؟ ومن المسئول عن جريرة ما وقع في يونيه 2007م؟ لا يمكن لمنصفٍ أن يستثني أحداً، فالكل أسهم في تسميم الأجواء وتوتيرها، وتهيئة أرضية الانفجار الدامي. نعم؛ ربما تتفاوت درجات الحكم، ولكن في مشهد الجريمة والعقاب كان الكل مُداناً.

    لم يكن أحدٌ يتوقع أن تستمر القطيعة كل هذه السنوات الطوال، وأن تنعدم كل الفرص لتحقيق مصالحة حقيقية تنهي الانقسام، نعم؛ “خاب الرجا فينا”، فبعد مئات اللقاءات في الداخل والخارج، ورغم كل الوساطات الرسمية والشعبية، إلا أن النتائج كانت أننا عدنا بُخفيِّ حنين، وما زال الشعب حتى اللحظة منقسماً على نفسه، وفصائلنا الوطنية والإسلامية مقعدة وعاجزة، وهي بالمحصلة غير قادرة على الاتفاق حول الحدِّ الأدنى من الشراكة لترتيب إدارة قطاع غزة، بعد أن خذلتنا حكومة الوفاق الوطني على مدار عامٍ كامل، وتراجعت حظوظ التفاهم – مؤخراً – مع الرئيس أبو مازن لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

    إن تعقيدات الحالة السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة اليوم، وفي ظل ما تتعرض له القضية الفلسطينية من تجاهل، وتراجع لمكانتها على الأجندة الدولية، وما يُبيَّت لقضية اللاجئين من محاولات لشطبها، عبر ما يجري من تقليصات لخدمات وكالة الغوث (الأونروا) ومهماتها، الأمر الذي يهدد بأخطار جسيمة على مستقبل حق العودة، والوجود الفلسطيني في المخيمات.

    الإشكالية أن كل شيء حولنا يتغير، أما حالتنا السياسية فهي تراوح مكانها، فالكارثة بكل أبعادها الإنسانية والمجتمعية على مستوى الوطن والقضية نعيشها ولكن – للأسف – ليس فينا رجل رشيد.!!

    غابت الحكمة وغاب رجالها، والشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة هو مرجل يغلي، والساحة – هنا وهناك – برميل بارود، والقيادات السياسية التي تتربع على عرش القرار ليس لديها الإرادة والقناعة لاتخاذ قرارات حاسمة، والحالة تنزلق إلى متاهات لا يعلم عقابيلها إلا الله.

    ما الذي يمكن أن ننتظره من هذا الواقع المأزوم، وفي ظل أجواء عربية وإسلامية لا تبعث على التفاؤل والأمل.؟ هل المطلوب منَّا الاستسلام لهذا المأزق، والركون لمتاهة النفق وانعدام ملامح الرؤية فيه؟! ما الذي يمكن أن يقوم به الشباب؛ عصب الوطن ونبضه، من أجل إيصال رسالة الوجع الفلسطيني لنا ولكل القيادات، ولمن حولنا من أهل الذِّكر والبيِّنات.

    إن ثقتي بالشباب كبيرة لإحداث التحول الذي نريد، وذلك لبناء غدٍ فلسطيني أفضل. إن عليهم تعبئة صفوفهم، وحشد مواكبهم، والتحرك بكافة الأشكال السلمية المتاحة لتحقيق المطالب التالية:

    أولاً) تفعيل الإطار القيادي المؤقت، وبصلاحيات الحسم وأهلية اتخاذ القرار في كل القضايا الوطنية والخلافات السياسية.

    ثانياً) الدعوة لانتخابات تشريعية في أقرب وقتٍ ممكن، على قاعدة النسبية الكاملة.

    ثالثاً) إصلاح النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني، حتى لا تنفرد جهة بالقرار الفلسطيني المستقل.

    رابعاً) قيام شراكة سياسية بين الكل الوطني والإسلامي، وعلى أرضية من التفاهم والتوافق الوطني.

    خامساً) تعزيز مكانة المقاومة، باعتبارها حق مشروع لشعبنا، لإنجاز مشروع التحرير والعودة.

    سادساً) النظر للمفاوضات كأداة للوصول لحقوقنا السياسية، وليس لتأبيد واقع الاحتلال.

    سابعاً) إعطاء الحق للجميع في إنشاء أحزاب سياسية، بشرط احترام الدستور، والعملية الديمقراطية، والحقوق الإنسانية.

    ثامناً) الدفع باتجاه اشراك العمق العربي والإسلامي لتقديم مبادرات تعزز من مكانة القضية وأهلها على المستوى الإقليمي والدولي.

    تاسعاً) تعبئة حركات التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وتحريكها لرفع الحصار وكسر العزلة عن قطاع غزة.

    عاشراً) الضغط على إسرائيل إعلامياً وسياسياً، وتعريتها أخلاقياً من خلال التحرك على طول الحدود، بهدف تظهير المظلومية الفلسطينية، التي تتجسد أبعادها في معاناة أهالي قطاع غزة.

    ختاماً: لا بدَّ من قفزة للأمام

    في إبريل 2014م، تخلت حركة حماس طواعية عن الحكومة في قطاع غزة، وسلمت مقاليد الحكم للسلطة في رام الله. بالطبع، كان لزاماً على حكومة التوافق برئاسة د. رام الحمد الله أن تأخذ وبقوة ما تمَّ تكليفها به، وأن تتعاطى – بأمانة وبجدية – مع ما أقسمت عليه، وما التزمت به تجاه موظفي قطاع غزة، وما قطعته من تعهدات بخصوص إعادة الإعمار، والعمل على تهيئة الأجواء للانتخابات خلال فترة الست شهور التي مُنحت لها. للأسف؛ كانت النتائج غير مشجعة، وانتكست الحالة السياسية وعدنا لنقطة البداية من جديد، و”كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.

    لقد قدَّمت حركة حماس تنازلاً تشكر عليه حين سلمت مقاليد الأمور وفق ما تمَّ التوافق عليه من تفاهمات بين السلطة والحركة في اتفاق مخيم الشاطئ، إلا أن ذلك الإجراء لتسيير الحالة السياسية لم ينل القبول لدى بعض المتنفذين هنا وهناك، مما أفقد عملية التحول زخمها، و”عادت ريما لعادتها القديمة”، حيث فجعنا من جديد بالمناكفات الإعلامية والملاسنات السياسية، وبقيام كل طرف بتحميل مسئولية الإخفاق والفشل على الغير، وتعليق الأخطاء على شماعة الآخر.

    لا تندهي.. ما فيه حدا.!!

    كل من زار رام الله من كل تنظيمات العمل الوطني والإسلامي جاءك قائلاً: والله يا أخي ما فيه واحد بدو غزة، لقد طلقوها بالثلاث!!

    معقول يا راجل؟! غزة؛ الجند والقادة وعشاق الشهادة، وبنك الدم الحصري لإلياذة النضال الفلسطيني، وملحمة الجهاد والمقاومة، وعنوان المجد والصمود والبطولة والانتصار، هكذا تكون مكانتها في رام الله.!!

    ولولا تواترت الروايات، ومن جهات ليس لها في اللون الحزبي، لقلت إن هناك من يفتري على إخواننا في رام الله.

    لذلك، ما أن تظهر بوادر الغضبة الشعبية، وتنطلق بعض الرصاصات ضد الغاصبين وغلاة المستوطنين، حتى تبدأ عمليات الملاحقة والاعتقال.!!

    من وجهة نظر أهل قطاع غزة، أن القيادة في رام الله قد تخلت عنهم، والكل في هذا العالم يتمنى أن يبتلعنا البحر، وأن تطوى صفحات المجد والعزة، ونصبح في قطاعنا الحبيب أثراً بعد عين.

    من خلال متابعتي للحالة السياسية طوال السنوات الثمانية الماضية، فإن ما قامت به حركة حماس من تعديلات على مواقفها السياسية، وتقديم مقاربات للآخر بهدف الإصلاح، فإنها كانت كافية لاجتماع الصف ورأب الصدع، وتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، ولكن يبدو أن العامل المطلوب لإتمام ذلك، ألا وهو “النيَّة الخالصة وصدق العزم”، لم يكن – للأسف – متوفراً بدرجة كافية لدى قيادة السلطة وأطراف فلسطينية أخرى.

    إن المطلوب – اليوم – من الجميع التفكير خارج الصندوق الأيديولوجي، وبواقعية سياسية تعجل بلملمة الخلاف وجمع الصف، وفق خطوات عملية، ومن خلال حكومة وحدة وطنية، يتم التوافق عليها بين الجميع.

    إن حركة حماس اليوم لها من النضج السياسي ما يسمح لها أن تجد من التخريجات وتقديم المبادرات ما يعين على استنقاذ الحالة السياسية الفلسطينية المتردية، فقد صهرتها تجربة عقد من الزمان تقريباً، وصقلت قياداتها الوقائع والأحداث؛ محلياً وإقليمياً ودولياً.

    إن لدى حركة حماس اليوم الجاهزية للتعاطي مع كل الخيارات والحلول، والكرة – الآن – هي في ملعب الرئيس أبو مازن، والشعب بانتظار أن يتحرك الرئيس لتلقف الفرصة المواتية وطنياً، واقتناص لحظة الرشد التي تلوح في الأفق.

    وبناءً على ذلك، هل تشهد الشهور القادمة انفراجاً سياسياً، أم ستظل كل الأمور مضطربة ومعلقة لحين عودة المهدي المنتظر؟

     

    عجَّل الله فرجه.!!

    LEAVE A REPLY

    Please enter your comment!
    Please enter your name here